الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **
28 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ: كيف نرد على من لا يرى زكاة الذهب؟ فأجاب فضيلته بقوله: نرد عليه بالأحاديث الواردة في هذا، وقد بيَّنَّاها في رسالة صغيرة، وهي كبيرة في الواقع، لأن جميع الأدلة التي استدلوا بها قد أجابنا عليها ضمناً في هذه الرسالة الصغيرة واسمها "وجوب الزكاة في الحلي". * * * 38 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ: سمعت أن الزكاة تجب في الذهب ولو كان للتجمل. فما حد النصاب للزكاة؟ وما مقدارها؟ فأجاب فضيلته بقوله: سبق الكلام في هذه المسألة، وبيَّنَّا أن القول الراجح: وجوب الزكاة في الحلي إذا بلغ نصاباً، ونصابه خمسة وثمانون جراماً، وتعادل أحد عشر جنيهاً سعوديًّا وثلاثة أسباع الجنيه. فإذا كان عند المرأة ما يبلغ هذا وجب عليها أن تؤدي زكاته، وهو ربع العشر، تقومه كل سنة وتخرج ربع عشر قيمته، ولا تعتبر ما اشترته به، لأنه قد يزيد، وقد ينقص، والله الموفق. * * * 48 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ: هل يجزىء عن المرأة إذا أدى زوجها عنها زكاة ذهبها من ماله الخاص، لاسيما وأن المرأة ليس لها دخل وطابت نفس زوجها بدفعه من ماله؟ فأجاب فضيلته بقوله: إذا وجبت الزكاة والمرأة ليس لها دخل وطابت نفس الرجل بالزكاة عنها فهذا مجزىء، وله أجر في ذلك، والله لا يضيع أجر من أحسن عملاً. * * * 58 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ: اشتريت ذهباً بمبلغ من المال فهل علّي زكاته؟ فأجاب فضيلته بقوله: إذا كان الذهب الذي عندك يعادل خمسة وثمانين جراماً، أي: إحدى عشر جنيهاً وثلاثة أسباع الجنيه، فإنه يجب عليك أن تزكيها، وذلك لأن الأحاديث الواردة في وجوب زكاة الذهب والفضة عامة، كما في حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ الذي رواه مسلم في صحيحه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار، وأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه، وجبينه، وظهره، كلما بردت أعيدت في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يُقضى بين العباد فيُرى سبيله إما إلى الجنة، وإما إلى النار"، ومن كان عندها حلي من ذهب فهي صاحبة ذهب، وكذلك من كان عندها حلي من الفضة. فمن ادعى خروج حلي الذهب والفضة عن هذا الحديث فليأتِ بالدليل. ثم إن هناك أدلة خاصة في الحلي مثل ما رواه الثلاثة بإسناد قوي كما في بلوغ المرام، عن عبدالله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنهما ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم أتت إليه امرأة وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب، قال: "أتؤدين زكاة هذا؟ قالت: لا، قال: "أيسرك أن يسورك الله بهما سوارين من نار؟" فخلعتهما وقالت: "هما لله ورسوله"، وله شواهد. وعلى هذا فتقدر المرأة قيمة الذهب الذي عندها، سواء بقدر ما اشترته به، أو أقل، أو أكثر، فتقدر قيمته مستعملاً ثم تخرج منها ربع العشر، أي: واحد من أربعين، ففي المائة ريالان ونصف، وفي الألف خمسة وعشرون ريالاً وهكذا، وطريقة ذلك أن تقسم قيمته على أربعين، وناتج القسمة هو الزكاة، وبهذا تبرىء ذمتها، ويحصل لها الفكاك من عذاب النار ولا يضرها شيئاً. وإذا كان لها زوج وأراد زوجها أن يؤدي الزكاة عنها فلا حرج عليها في ذلك، وإن لم يؤدّ عنها فإنها تؤدي من مالها، وإذا لم يكن عندها مال فإنها تبيع من الذهب الذي عندها وتخرج الزكاة، وأما ما عدا الذهب والفضة من الحلي كالماس واللؤلؤ، فإنه لا زكاة فيه ولو كان معدًّا للبس، وذلك لأنه لا زكاة في أصله، فإنه من جنس الثياب، فإن نواه للبس فلا زكاة وإن نواه للتجارة ففيه الزكاة. * * * 68 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ: ما رأي فضيلتكم في الذهب المستخدم هل فيه زكاة؟ فأجاب فضيلته بقوله: الذهب المستعمل أو الذي يستعمل ويعار، أو الذي يُحفظ لا يستعمل إلا عند المناسبات، كله فيه زكاة على القول الراجح الصحيح، وبعض العلماء يقول: المستعمل ليست فيه زكاة، لكن الصحيح أن فيه الزكاة إذا بلغ النصاب وهو خمسة وثمانون جراماً، وما دون ذلك فليس فيه زكاة، والدليل على وجوب الزكاة فيه ما رواه مسلم، في صحيحه عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار، وأحمي عليها في نار جهنم، ويكوى بها جنبه، وجبينه، وظهره، كلما بردت أعيدت في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد ثم يرى سبيله إما إلى الجنة، وإما إلى النار". والحديث عام فيمن عنده ذهب وفضة. ونسأل الآن: المرأة التي عندها حلي هل هي صاحبة ذهب أو لا؟ كلنا يقول: هي صاحبة ذهب، ويدل على العموم ما رواه عبدالله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنهما ـ أن امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان (يعني سوارين غليظين) فقال لها: "أتؤدين زكاة هذا؟" قالت: لا. قال: "أيسرك أن يسورك الله بهما سوارين من نار؟"، فخلعتهما وأعطتهما النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: هما لله ورسوله. وهذا وعيد، ولا وعيد إلا على ترك واجب. كذلك سألت إحدى أمهات المؤمنين رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حلي عندها أهو كنز؟ قال: "إذا بلغ أن تؤدى زكاته ثم زكي فليس بكنز". قد يقول قائل: نحن عرفنا الآن أن الحلي من الذهب إذا بلغ النصاب ففيه زكاة فما مقدارها؟ نقول: مقدارها ربع العشر يعني اثنين ونصف في المئة، وفي الألف خمسة وعشرون ،وفي عشرة آلاف مائتان وخمسون، وهي جزء يسير والحمد لله ربما يكون هذا من بركته، وهو من بركته بلا شك؛ لأن الزكاة فيها أجر عظيم * * * 78 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ: ما القول الفصل في زكاة الحلي الملبوس من الذهب والفضة؟ وقول الفقهاء الزكاة هي النماء والزيادة وما مقدار النصاب؟ فأجاب فضيلته بقوله: القول الفصل في الحلي الملبوس من الذهب والفضة وجوب الزكاة فيه؛ لعموم الأدلة في وجوب زكاة الذهب والفضة من غير تفصيل، ولأحاديث خاصة في وجوب الزكاة في الحلي، ذكر طرفاً منها في بلوغ المرام. وأما قولهم الزكاة هي النماء والزيادة فهذا تعريفها في اللغة، ولا يشترط في المال الزكوي أن يكون نامياً زائداً، ولهذا لو ادخر الإنسان دراهم تبلغ النصاب أعدها لشراء بيت، أو نفقة وجبت فيها الزكاة، وإن لم يكن فيها نماء ولا زيادة. وإذا لم يكن عند صاحبة الحلي دراهم تخرج منها الزكاة باعت منه بقدرها، أو أخرجت من نفس الحلي بقدر زكاته، فإذا نقص عن النصاب فلا زكاة. ولا فرق بين كون الحلي يلبس دائماً أو لا يلبس إلا عند المناسبات. وأما مقدار النصاب ففي الذهب خمسة وثمانون جراماً (58). وفي الفضة خمسمائة وخمسة وتسعون جراماً (595) ويساوي ستة وخمسين ريالاً من الفضة، وفي الأوراق النقدية ما قيمته كذلك. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. 21/6/0241هـ. * * * 88 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ: هل في الذهب المعد للزينة زكاة، وإن كانت المرأة لا تجد إلا أن تبيع بعضه لكي تؤدي الزكاة؟ فأجاب فضيلته بقوله: الصحيح من أقوال العلماء والراجح عندي أن الزكاة واجبة في الحلي إذا بلغ النصاب وهو خمسة وثمانون جراماً، فإذا بلغ هذا وجبت زكاته، فإن كان لديها مال فأدت منه فلا بأس، وإن أدى عنها زوجها أو أحد من أقاربها فلا بأس، فإن لم يكن هذا ولا هذا فإنها تبيع منه بقدر الزكاة وتخرج الزكاة. قد يقول بعض الناس: لو عملنا بهذا لانتهى حليُّها ولم يبق عندها شيء. فنقول: هذا غير صحيح، لأنه إذا نقص عن النصاب ولو شيئاً يسيراً لم تجب الزكاة فيه، وحينئذ لابد أن يكون عندها شيء تتحلى به، فالقول الراجح في هذه المسألة أن الزكاة واجبة في كل حلي من ذهب أو فضة، سواء كان يلبس أو يعار أو يؤجر، وقد تقدم ذكر الأدلة على ذلك. * * * كيفية إخراج زكاة الذهب والفضة بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد: أخي صاحب الذهب، إذا أردت أن تخرج زكاة الذهب لك أو لغيرك من الناس فإنه يجب عليك مراعاة عدة أمور وهي: 1 ـ لا تجب الزكاة في الذهب حتى يبلغ نصاباً وهو عشرون ديناراً، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الذهب "ليس عليك شيء حتى يكون لك عشرون ديناراً". رواه أبو داود. والمراد بالدينار الإسلامي الذي يبلغ زنته مثقالاً، وزنة المثقال أربعة غرامات وربع غرام، فيكون نصاب الذهب خمسة وثمانون غراماً، يعادل أحد عشر جنيهاً سعوديًّا وثلاثة أسباع الجنيه. ولا تجب الزكاة في الفضة حتى تبلغ نصاباً وهو خمس أواق لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ليس فيما دون خمس أواق صدقة" متفق عليه. والأوقية أربعون درهماً إسلاميًّا، فيكون النصاب مئة وأربعون مثقالاً، وهي خمسمائة وخمسة وتسعون غراماً، تعادل ستة وخمسين ريالاً عربيًّا من الفضة، ومقدار الزكاة في الذهب والفضة ربع العشر بحيث يقسم على أربعين، فالحاصل بالقسمة هو الزكاة. 2 ـ ما دون خمسة وثمانون غراماً من الذهب فلا زكاة فيه، وما دون خمسمائة وخمسة وتسعون غراماً من الفضة فلا زكاة فيه. 3 ـ لا يضم ما يجب فيه الزكاة من الذهب بعضه إلى بعض إذا كان الذي يجب فيه الزكاة لشخصين فأكثر كامرأتين مثلاً، أو امرأة وبناتها، بل تعتبر زكاة كل شخص على حدة منفصلاً عن مال الآخر، إلا إذا كان المالك له واحداً، يتصرف به حيث شاء، فإنه يجب أن يضم بعضه إلى بعض. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. 98 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ: امرأة لم تعلم بوجوب زكاة الحلي إلا قريباً، فهل تخرج زكاة ما مضى من السنوات؟ فأجاب فضيلته بقوله: الذي أرى أنه لا يجب عليها زكاة ما مضى، لأن المعروف في هذه البلاد والمفتى به هو المشهور من مذهب الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ والمشهور من مذهب الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ أنه لا زكاة في الحلي المعد للاستعمال أو العارية، وعلى هذا فلا يجب عليها زكاة ما مضى، ولكن يجب عليها الزكاة عن هذا العام، الذي علمت فيه أن الزكاة واجبة في الحلي، وعمّا يستقبل من الأعوام، لأن القول الصحيح الذي تؤيده الأدلة: أن الزكاة واجبة في الحلي، وإن كان مستعملاً. والله الموفق. * * * 09 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ: رجل عنده بنات قد أعطاهن حليًّا، ومجموع حليهن يبلغ النصاب، وحلي كل واحدة بمفردها لا يبلغ النصاب، فهل يجمع الحلي جميعاً ويزكَّى؟ فأجاب فضيلته بقوله: إن كان أعطاهن هذا الحلي على سبيل العارية فالحلي ملكه، ويجب عليه أن يجمعه جميعاً، فإذا بلغ النصاب أدى زكاته، وإن كان أعطى بناته هذا الحلي على أنه ملك لهن فإنه لا يجب أن يجمع حلي كل واحدة إلى حلي الأخرى؛ لأن كل واحدة ملكها منفرد عن الأخرى. وعلى هذا فإن بلغ حلي الواحدة منهن نصاباً زكاه وإلا فلا. * * * 19 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ: لو كان عند الإنسان بنات صغار كل واحدة لها حقها وملكها من الحلي أقل من النصاب، فهل يجمع حلي هؤلاء البنات ويضم بعضه إلى بعض ويكمل النصاب؟ فأجاب فضيلته بقوله: لا، لأن كل واحدة تملك حليها ملكاً خاصًّا، فتعتبر كل واحدة منهن بنفسها، ولا يكون حينئذ فيه زكاة. * * * 29 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ: هل يجوز للإنسان أن يحتاط ويزيد عند إخراج الزكاة، فربما تقول المرأة: أنا ليس لي رغبة في أن أذهب إلى الصائغ أو إلى أصحاب التجارة لينظروا قيمته أنا سأقدر وأزيد؟ فأجاب فضيلته بقوله: لا بأس أن يزيد الإنسان فيما يرى أنه واجب عليه وينوي بقلبه أن الزائد عن الواجب تطوع؛ لأن باب التطوع مفتوح. * * * 39 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ: بعض النساء يقمن ببيع حليهن قبل وقت الوجوب بقليل، وبعد مضي وقت الوجوب تشتري بالدارهم حلياً أخرى فما حكم هذا العمل؟ فأجاب فضيلته بقوله: هذه المسألة تحتاج إلى نظر وتأمل. * * * 49 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ: قلتم ـ جزاكم الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء ـ إن زكاة الحلي لا تخرج عن أحاديث العموم، لكن فعل الصحابة ألا يخرجها عن العموم كما فعلت عائشة ـ رضي الله عنها ـ وغيرها. وأيضاً هذه المسألة لم يبينها الرسول صلى الله عليه وسلم للأمة وبحاجة فلماذا؟ فأجاب فضيلته بقوله: للجواب عن الشق الأول أن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ مختلفون في هذا: فمنهم من نقل عنه أنه لا زكاة في الحلي. ومنهم من نقل عنه أن فيه الزكاة لسنة واحدة. ومنهم من نقل عنه أن فيه الزكاة. وإذا كان نقل عن خمسة أو عشرة من الصحابة أنه لا زكاة فيه فالسكوت عن نقل أقوال الآخرين لأن الأصل أنهم يزكون، ولهذا لا نحتاج إلى أن نعلم أن الصحابة عملوا بكل نص قولي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. إذا جاءت النصوص القولية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي حجة، سواء علمنا أن الصحابة عملوا بها أو لم نعلم. ولو كنا لا نعمل بالنصوص القولية إلا حيث علمنا أن الصحابة عملوا بها لضاع كثير من السنن القولية. وإنما اشتهر القول عن الصحابة الذين قالوا بعدم الوجوب؛ لأن هذا القول خارج عن مقتضى النصوص العامة فلذلك نقل. وأما ما أشار إليه السائل عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ فعائشة ـ رضي الله عنها ـ كانت ترعى مال أيتام لها ولا تخرج الزكاة عنه، وهذا لا يدل على أنها لا ترى وجوب الزكاة في الحلي، لأن مال الأيتام قد لا تجب فيه الزكاة: إما على قول من يرى أنه يشترط لوجوب الزكاة تكليف صاحب المال؛ لأن بعض العلماء يقول: إن أموال الصغار ليس فيها زكاة؛ لأن الصغير مرفوع عنه القلم، فإذا كان تحت يديها أيتام لا تؤدي الزكاة من مالهم، فلا يعني ذلك أنها لا ترى وجوب الزكاة في الحلي، لأنه ربما يكون على أنها لا ترى وجوب الزكاة في مال اليتامى لصغرهم. هذا احتمال. الاحتمال الثاني: أن هذا الذي عندها للأيتام لا يبلغ الزكاة. الاحتمال الثالث: أن هذا الحلي قد يكون على اليتامى ديون أكثر من قيمته فلا تجب الزكاة فيه بناء على قول من يقول: إن من عليه دين ينقص النصاب ليس عليه زكاة. فمادامت هذه الاحتمالات واردة في قضية عين فإن من القواعد المقررة: (أن وجود الاحتمال مسقط للاستدلال). وأما قول السائل: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبينها. فعجب منه كيف لم يبينها الرسول وهو الذي قال: "ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها" الحديث؟! وهذا يوجد إلى وقتنا هذا وعرفنا أن المرأة التي عندها حلي يقال لها: إنها صاحبة ذهب ويقال هذه المرأة عندها ذهب فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: "ما من صاحب ذهب ولا فضة" فهل هناك أبين من هذا الكلام. ثم حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده نص في الموضوع فيكون الرسول صلى الله عليه وسلم قد بين لأمته. 59 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ: امرأة توفي زوجها ولديها ثلاثة من الأطفال وعندها حلي من الذهب يقدر بحوالي خمسة عشر ألف ريال تسأل كم فيها من الزكاة بالعملة السعودية؟ وهل أخرجه عن السنين التي مضت عليه وهو في حيازتي أربع سنوات؟ وهل يجوز لي أن أنفق زكاة هذا الحلي على أولادي الأيتام؟ فأجاب فضيلته بقوله: إجابة الفقرة الأولى أن الراجح من أقوال أهل العلم وجوب الزكاة في الحلي إذا بلغ النصاب، ومادامت السائلة تقول: إن قيمته خمسة عشر ألف ريالاً سعوديًّا فإنه قد بلغ النصاب، فيجب فيه ربع العشر، بأن تقدر قيمته بما يساوي مستعملاً ثم تُخرج منها ربع العشر، فإذا قدرنا أنه يساوي عشرين ألفاً كان ربع العشر خمسمائة ريال. أما إجابة النقطة الثانية: وهو هل يجب عليها أن تُخرج زكاة ما مضى من السنوات؟ فجوابه: إن كانت تعتقد وجوب الزكاة منذ أربع سنوات وجب عليها أن تخرج الزكاة لهذه السنوات الأربع، لأن تأخيرها الإخراج يعتبر تفريطاً منها، فعليها التوبة إلى الله وإخراج زكاة ما مضى، وإن كانت لا تعتقد وجـوب الزكاة إما لأنها لم تعلم، أو لأنها ترددت لاختلاف العلماء في ذلك، ثم بدا لها أن الزكاة واجبة فإنه يجب عليها الزكاة من السنة التي اعتقدت وجوب زكاة الحلي فيها. وأما الفقرة الثالثة: وهي إعطاء الزكاة لهؤلاء الأيتام، فإنه لا يجوز أن تعطيهم الزكاة منها؛ لأن هؤلاء الأيتام يجب عليها من نفقتهم ما يجب، ولا يجوز لها أن تخرج الزكاة في قضاء أمر واجب عليها. * * * رسالة بسم الله الرحمن الرحيم من محمد الصالح العثيمين إلى أخيه المكرم الشيخ الفاضل... حفظه الله تعالى السلام عليكم ورحمة الله وبركاته كتابكم المؤرخ 01/2/9041هـ وصل ومعه: رسالتكم (......)، وقد طلبتم الإفادة عما أراه من ملاحظة بقطع النظر عن أصل الخلاف في ذلك. والذي أرى في هذه الرسالة الجيدة أن فيها ذكر أشياء يجب حذفها، وترك أشياء ينبغي أو يجب ذكرها. أما التي يجب حذفها فهي: أولاً: التنديد بمن يذكر الناس بوجوب زكاة الحلي وينذرهم بما أنذرهم به النبي صلى الله عليه وسلم في الوقت المناسب، فإنه لا يخفى أن هذا أمر لا يعاب على من يرى صحته عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو مما يحمد عليه المبلغ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والإنسان عليه تقوى الله تعالى في تبليغ ما صح عنده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، خصوصاً عند الحاجة إلى ذلك، وكما أن القائلين بعدم الوجوب ينشرون ذلك عن طريق وسائل الإعلام، ودرجات المنابر، ولا يلومهم القائلون بالوجوب ولا ينددون بهم، فيقولوا: إنكم قمتم بذلك معارضين لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يرون أن نشر أحد القولين في المسائل من باب الإلزام بها، ولا ريب أن من حاول إلزام الناس برأيه فقد بوأ نفسه مكان الرسالة، واتخذ نفسه شريكاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم نسأل الله العافية. والإنسان إذا أبان ما يعتقده الحق فقد أبرأ ذمته، سواء قبله الناس أم لم يقبلوه، وسواء استحسنوا صنيعه أم عابوه. ثانياً: لمز الإمام أبي حنيفة ـ رحمه الله ـ بكونه إنما ذهب إلى وجوب زكاة الحلي لقول ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ لا اتباع الآثار المروية في هذه المسألة، وإلا لكان المسارعون إلى الأخذ بها من الأئمة هم أوسع منه اطلاعاً على الآثار وأرغب في قبولها. فإنه لا يخفى أن الإنسان قد يحيط علماً بمسألة لم يحط بها من هو أوسع منه علماً وأعمق منه فهماً، وقد خفي على عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ ومن معه من الصحابة من المهاجرين والأنصار ـ رضي الله عنهم ـ حكم الإقدام على أرض الطاعون حتى جاء عبدالرحمن بن عوف ـ رضي الله عنه ـ فحدثهم بما سمع من النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك. على أن عن الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ رواية موافقة لمذهب أبي حنيفة ـ رحمه الله ـ نقلها في المحرر والفروع والإنصاف وغيرهم. ثالثاً: قولكم: (إن عمرو بن شعيب جرَّحه علماء الحديث)، ومن المعلوم أن ظاهر العبارة إجماع المحدثين على جرحه، وليس الأمر كذلك، وهذا مقابل لقول أحمد محمد شاكر في (الباعث الحثيث) ص 822: عن عمرو أنه ثقة من غير خلاف. والحق أن الرجل مختلف فيه، لكن جمهور المحدثين على توثيقه، وعلى الاحتجاج بروايته عن أبيه عن جده ففي تهذيب التهذيب لابن حجر 8/94 قال البخاري: رأيت أحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، وإسحاق بن راهويه، وأبا عبيد وعامة أصحابنا يحتجون بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ما تركه أحد من المسلمين. قال البخاري: من الناس بعدهم؟ وفي ص 05 عن إسحاق بن راهويه: إذا كان الراوي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ثقة، فهو كأيوب عن نافع عن ابن عمر، قال النووي في مقدمات شرح المهذب (1/111 المكتبة العالمية): وهذا التشبيه في نهاية الجلالة من مثل إسحاق رحمه الله، ثم قال بعد أن نقل عن أصحابهم منع الاحتجاج به، وترجح عنده (أي صاحب المهذب) في حال تصنيف المهذب جواز الاحتجاج به، كما قال المحققون من أهل الحديث والأكثرون وهم أهل هذا الفن، وعنهم يؤخذ، ويكفي فيه ما ذكرناه عن إمام المحدثين البخاري اهـ. وفي زاد المعاد لابن القيم (4/932 ط السنة المحمدية) في الكلام على سقوط الحضانة بتزوج الأم: ذكر أنه ليس في سقوط الحضانة بالتزويج غير حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وأنه ذهب إليه الأئمة الأربعة وغيرهم، وأبطل قول من يقول: إن حديثه مرسل أو منقطع، وأجاب ص 652 عن اعتراض ابن حزم على الاستدلال بحديثه بأنه إذا تعارض معنا في الاحتجاج برجل قول ابن حزم وقول البخاري وأحمد، وابن المديني، والحميدي، وإسحاق بن راهويه وأمثالهم لم نلتفت إلى سواهم. ورجل هذه حاله وهذا كلام عامة المحدثين في روايته عن أبيه عن جده لا ينبغي إطلاق القول بأنه جرحه علماء الحديث. وأما التي ينبغي ذكرها أو يجب فهي: أولاً: ذكر الرواية الثانية عن الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ في وجوب الزكاة في الحلي. ثانياً: ذكر قول بعض المعاصرين في وجوب الزكاة فيه كسماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز؛ لأنه لا تخفى منزلته عند الناس واعتبار قوله ليكون في مقابل من ذكرتم قوله من المعاصرين بعدم الوجوب. ثالثاً: ذكر قول ابن القيم ـ رحمه الله ـ في الطرق الحكمية (ص 182 ط المدني) أن الراجح أنه لا يخلو الحلي من زكاة أو عارية. اهـ وهذا يدل على أنه لا يرى انتفاء الوجوب مطلقاً مع أنكم عددتموه (ص 6 ـ 7) من الرسالة ممن يقول بالنفي. رابعاً: ذكر قول الشيخ الشنقيطي ـ رحمه الله ـ في تفسيره (2/754): وإخراج زكاة الحلي أحوط؛ لأن من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، والعلم عند الله. اهـ وإنما كان ينبغي ذكر ذلك لأنكم ذكرتم في معرض كلامكم على حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ في إخراج زكاة مال اليتامى ولا تخرجها عن حلي بنات أخيها، أن الشنقيطي قال: وهذا الإسناد عن عائشة في غاية الصحة، وقال: يبعد أن تعلم عائشة أن عدم زكاة الحلي فيه الوعيد من النبي صلى الله عليه وسلم بأنه حسبها من النار، ثم تترك إخراجها بعد ذلك عمن في حجرها، مع أن المعروف عنها القول بوجوب الزكاة في أموال اليتامى. ومن قرأ ما نقلتموه عن الشنقيطي فسيرى أنه لا يرى وجوب الزكاة ولا الاحتياط. خامساً: ذكر قول ابن حزم في وجوب زكاة الحلي من الذهب والفضة كما صرح به (6/57 من المحلى) وإنما كان ينبغي ذكر ذلك لأنكم ذكرتم عنه ما نصه: ما احتج به على إيجاب الزكاة في الحلي آثار واهية لا وجه للاشتغال بها. ومن المعلوم أن مثل هذا التعبير يوهم إيهاماً كبيراً أن ابن حزم لا يرى وجوب الزكاة في الحلي، بل لا يطرأ على البال أنه يرى الوجوب بعد هذا القول، لاسيما وأنكم عددتموه في ص 6 و73 من الرسالة ممن قال بعدم الوجوب. هذا ما رأيت إبداءه حسب طلبكم أسأل الله أن ينفع به. ويصلكم إن شاءالله تعالى صورة رسالة كتبتها سابقاً حول الموضوع، أسأل الله تعالى أن ينفع بها. ويصلكم كذلك إن شاءالله تعالى قصاصة فيها تعليق على حديث في كتاب نيل المآرب أعطانيها أحد الطلبة البارحة. والله يحفظكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. 2/3/9041هـ. 69 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ: بالنسبة للذهب الذي يلبس هل عليه زكاة؟ فأجاب فضيلته بقوله: الذهب الذي يلبس عليه الزكاة على القول الراجح؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما من صاحب ذهب أو فضة لا يؤدي حقها إلا كان يوم القيامة صفحت صفائح من نار، وأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه، وجبينه، وظهره"، فإن قوله: "ما من صاحب ذهب أو فضة" عام يشمل الحلي وغيره، ولما روي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى امرأة وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب قال: "أتؤدين زكاة هذا؟" قالت: لا. قال: "أيسرك أن يسورك الله بهما سوارين من نار"، فخلعتهما وألقتهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم. * * * 79 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ: ما مقدار زكاة الذهب والفضة؟ وهل يجب أن تخرج الزكاة من الذهب أو من النقد؟ فأجاب فضيلته بقوله: مقدار زكاة الذهب والفضة وعروض التجارة كلها مقدارها ربع العشر، وكيفية ذلك أن تقسم الحاصل على أربعين، فالخارج بالقسمة هو الزكاة، فهذا الذهب: ننظر في قيمته فأي مبلغ بلغت يقسم على أربعين، والحاصل في القسم هو مقدار الزكاة. وسؤالها هل يجب أن يخرج من الذهب أو من القيمة؟ نرى أنه لا بأس أن يخرج من القيمة، ولا يجب أن يخرج من الذهب، وذلك لأن مصلحة أهل الزكاة في إخراجها من القيمة، فإن الفقير لو أعطيته سواراً من الذهب، أو أعطيته قيمة هذا السوار لكان قيمة السوار أحب إليه وأنفع له. * * * بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فهذه رسالة في بيان حكم زكاة الحلي المباح ذكرت فيها ما بلغه علمي من الخلاف، والراجح من الأقوال، وأدلة الترجيح، فأقول وبالله التوفيق والثقة وعليه التكلان وهو المستعان: لقد اختلف أهل العلم ـ رحمهم الله ـ في وجوب الزكاة في الحلي المباح على خمسة أقوال: أحدها: لا زكاة فيه وهو المشهور من مذاهب الأئمة الثلاثة: مالك والشافعي وأحمد ـ رحمهم الله ـ إلا إذا أعد للنفقة، وإن أعد للأجرة ففيه الزكاة عند أصحاب أحمد، ولا زكاة فيه عند أصحاب مالك والشافعي، وقد ذكرنا أدلة هذا القول إيراداً على القائلين بالوجوب، وأجبنا عنها. الثاني: فيه الزكاة سنة واحدة، وهو مروي عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ. الثالث: زكاته عاريته، وهو مروي عن أسماء وأنس بن مالك أيضاً. الرابع: أنه يجب فيه إما الزكاة وإما العارية، ورجحه ابن القيم ـ رحمه الله ـ في الطرق الحكمية. القول الخامس: وجوب الزكاة فيه إذا بلغ نصاباً كل عام، وهو مذهب أبي حنيفة، ورواية عن أحمد ـ رحمه الله ـ وأحد القولين في مذهب الشافعي ـ رحمه الله ـ وهذا هو القول الراجح لدلالة الكتاب، والسنة، والآثار عليه، فمن أدلة الكتاب قوله تعالى: والمراد بكنز الذهب والفضة عدم إخراج ما يجب فيهما من زكاة وغيرها من الحقوق، قال عبدالله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ: "كل ما أديت زكاته وإن كان تحت سبع أرضين فليس بكنز، وكل ما لا تؤدي زكاته فهو كنز وإن كان ظاهراً على وجه الأرض"، قال ابن كثير ـ رحمه الله ـ: وقد روي هذا عن ابن عباس وجابر وأبي هريرة مرفوعاً وموقوفاً. اهـ والآية عامة في جميع الذهب والفضة لم تخصص شيئاً دون شيء، فمن ادعى خروج الحلي المباح من هذا العموم فعليه الدليل. وأما السنة فمن أدلتها: 1 ـ ما رواه مسلم من حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار، فأحمي عليها في نار جهنم، فيكوى بها جنبه، وجبينه، وظهره". والمتحلي بالذهب والفضة صاحب ذهب وفضة، ولا دليل على إخراجه من العموم، وحق الذهب والفضة من أعظمه وأوجبه الزكاة، قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: "الزكاة حق المال". 2 ـ ما رواه الترمذي والنسائي وأبو داود واللفظ له، قال حدثنا أبو كامل وحميد بن مسعدة المعنى أن خالد بن الحارث حدثهم نا حسين عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعها ابنة لها، وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب، فقال لها: "أتعطين زكاة هذا؟" قالت: لا، قال: "أيسرك أن يسورك الله بهما سوارين من نار" قال: فخلعتهما فألقتهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: "هما لله ورسوله"، قال في بلوغ المرام: وإسناده قوي، وقد رواه الترمذي من طريق ابن لهيعة والمثنى بن الصباح ثم قال: "إنهما يضعفان في الحديث لا يصح في هذا الباب شيء" لكن قد رد قول الترمذي هذا برواية أبي داود لهذا الحديث من طريق حسين المعلم وهو ثقة احتج به صاحبا الصحيح البخاري ومسلم، وقد وافقهم الحجاج بن أرطأة، وقد وثقه بعضهم، وروى نحوه أحمد عن أسماء بنت يزيد بإسناد حسن. 3 ـ ما رواه أبو داود قال: حدثنا محمد بن إدريس الرازي نا عمرو بن الربيع بن طارق نا يحيى بن أيوب عن عبيدالله بن أبي جعفر أن محمد بن عمرو بن عطاء أخبره عن عبدالله بن شداد بن الهاد أنه قال: دخلنا على عائشة ـ رضي الله عنها ـ فقالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى في يدي فتخات من ورق، فقال: "ما هذا يا عائشة"؟ فقلت: صنعتهن أتزين لك يا رسول الله، فقال: "أتؤدين زكاتهن؟" قلت: لا، أو ما شاء الله، قال: "هو حسبك من النار" قيل لسفيان: كيف تزكيه؟ قال: تضمه إلى غيره. وهذا الحديث أخرجه أيضاً الحاكم والبيهقي والدارقطني، وقال في التلخيص: إسناده على شرط الصحيح. وصححه الحاكم، وقال: (إنه على شرط الشيخين) يعني البخاري ومسلماً، وقال ابن دقيق: إنه على شرط مسلم. 4 ـ ما رواه أبو داود، قال: حدثنا محمد بن عيسى نا عتاب يعني ابن بشير عن ثابت بن عجلان عن عطاء عن أم سلمة قالت: كنت ألبس أوضاحاً من ذهب، فقلت: يا رسول الله! أكنز هو؟ فقال: "ما بلغ أن تؤدى زكاته فزكي فليس بكنز". وأخرجه أيضاً البيهقي والدارقطني والحاكم وقال: صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه، وصححه أيضاً الذهبي، وقال البيهقي: تفرّد به ابن عجلان. قال في التنقيح: وهذا لا يضر، فإن ثابت بن عجلان روى له البخاري، ووثقه ابن معين والنسائي، وقول عبدالحق فيه (لا يحتج بحديثه) قول لم يقله غيره، قال ابن دقيق: وقول العقيلي في ثابت بن عجلان لا يتابع على حديثه تحامل منه. اهـ فإن قيل: لعل هذا حين كان التحلي ممنوعاً كما قاله مسقطو الزكاة في الحلي. فالجواب: أن هذا لا يستقيم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمنع من التحلي به بل أقره مع الوعيد على ترك الزكاة، ولو كان التحلي ممنوعاً لأمر بخلعه وتوعد على لبسه، ثم إن النسخ يحتاج إلى معرفة التاريخ، ولا يثبت ذلك بالاحتمال. ثم لو فرضنا أنه كان حين التحريم فإن الأحاديث المذكورة تدل على الجواز بشرط إخراج الزكاة، ولا دليل على ارتفاع هذا الشرط وإباحته إباحة مطلقة. فإن قيل: ما الجواب عما احتج به من لا يرى الزكاة في الحلي وهو ما رواه ابن الجوزي بسنده في "التحقيق" عن عافية بن أيوب عن الليث بن سعد عن أبي الزبير عن جابر ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس في الحلي زكاة" ورواه البيهقي في معرفة السنن والآثار. قيل: الجواب على هذا من ثلاثة أوجه: الأول: أن البيهقي قال فيه: إنه باطل، لا أصل له، وإنما يروى عن جابر من قوله وعافية بن أيوب مجهول، فمن احتج به كان مغرراً بدينه. اهـ الثاني: أننا إذا فرضنا توثيق عافية كما نقله ابن أبي حاتم عن أبي زرعة، فإنه لا يعارض أحاديث الوجوب، ولا يقابل بها لصحتها ونهاية ضعفه. الثالث: أنا إذا فرضنا أنه مساوٍ لها ويمكن معارضتها به فإن الأخذ بها أحوط، وما كان أحوط فهو أولى بالاتباع لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك". وقوله: "فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه". وأما الآثار فمنها: 1 ـ عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ أنه كتب إلى أبي موسى أن مر من قبلك من نساء المسلمين أن يصدقن من حليهن. قال ابن حجر في التلخيص: إنه أخرجه ابن أبي شيبة والبيهقي من طريق شعيب بن يسار وهو مرسل، قاله البخاري، قال: وقد أنكر ذلك الحسن فيما رواه ابن أبي شيبة عنه، قال: لا نعلم أحداً من الخلفاء قال في الحلي زكاة. اهـ لكن ذكره مرويًّا عن عمر صاحب المغني والمحلى والخطابي. 2 ـ عن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ أن امرأة سألته عن حلي لها؟ فقال: "إذا بلغ مائتي درهم ففيه الزكاة". رواه الطبراني والبيهقي، ورواه الدارقطني من حديثه مرفوعاً وقال: هذا وهم والصواب موقوف. 3 ـ عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ حكاه عنه المنذري والبيهقي قال الشافعي: لا أدري يثبت عنه أم لا. 4 ـ عن عبدالله بن عمرو بن العاص أنه كان يأمر بالزكاة في حلي بناته ونسائه، ذكره عنه في المحلى من طريق جرير بن حازم عن عمرو بن شعيب عن أبيه. 5 ـ عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أنها قالت: "لا بأس بلبس الحلي إذا أعطي زكاته"، رواه الدارقطني من حديث عمرو بن شعيب عن عروة عن عائشة، لكن روى مالك في الموطأ عن عبدالرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أنها كانت تلي بنات أخيها يتامى في حجرها لهن الحلي فلا تخرج من حليهن الزكاة، قال ابن حجر في التلخيص: ويمكن الجمع بينهما بأنها كانت ترى الزكاة فيها (أي: في الحلية) ولا ترى إخراج الزكاة مطلقاً عن مال الأيتام. اهـ. لكن يرد على جمعه هذا ما رواه مالك في الموطأ عن عبدالرحمن بن القاسم عن أبيه قال: "كانت عائشة تليني أنا وخالي يتيمين في حجرها فكانت تخرج من أموالنا الزكاة"، قال بعضهم: ويمكن أن يجاب عن ذلك بأنها لا ترى إخراج الزكاة عن أموال اليتامى واجباً، فتخرج تارة ولا تخرج أخرى، كذا قال، وأحسن منه أن يجاب بوجه آخر، وهو أن عدم إخراجها فعل، والفعل لا عموم له، فقد يكون لأسباب ترى أنها مانعة من وجوب الزكاة فلا يعارض القول، والله أعلم. فإن قيل: ما الجواب عما استدل به مسقطو الزكاة فيما نقله الأثرم؟ قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول: خمسة من الصحابة كانوا لا يرون في الحلي زكاة: أنس بن مالك، وجابر، وابن عمر، وعائشة، وأسماء. فالجواب: أن بعض هؤلاء روي عنهم الوجوب، وإذا فرضنا أن لجميعهم قولاً واحداً، أو أن المتأخر عنهم هو القول بعدم الوجوب، فقد خالفهم من خالفهم من الصحابة، وعند التنازع يجب الرجوع إلى الكتاب والسنة، وقد جاء فيهما ما يدل على الوجوب كما سبق. فإن قيل: قد ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تصدقن يا معشر النساء ولو من حليكن" وهذا دليل على عدم وجوب الزكاة في الحلي، إذ لو كانت واجبة في الحلي لما جعله النبي صلى الله عليه وسلم مضرباً لصدقة التطوع. فالجواب على هذا: أن الأمر بالصدقة من الحلي ليس فيه إثبات وجوب الزكاة فيه ولا نفيه عنه، وإنما فيه الأمر بالصدقة حتى من حاجيات الإنسان ونظير هذا أن يقال: تصدق ولو من دراهم نفقتك ونفقة عيالك. فإن هذا لا يدل على انتفاء وجوب الزكاة في هذه الدراهم. فإن قيل: إن في لفظ الحديث: "وفي الرقة في مائتي درهم ربع العشر". وفي حديث علي: "وليس عليك شيء حتى يكون لك عشرون ديناراً". والرقة هي الفضة المضروبة سكة، وكذلك الدينار، هو السكة، وهذا دليل على اختصاص وجوب الزكاة بما كان كذلك، والحلي ليس منه. فالجواب من وجهين: أحدهما: أن الذين لا يوجبون زكاة الحلي ويستدلون بمثل هذا اللفظ لا يخصون وجوب الزكاة بالمضروب من الذهب والفضة، بل يوجبونها في التبر ونحوه وإن لم يكن مضروباً، وهذا تناقض منهم وتحكم، حيث أدخلوا فيه ما لا يشمله اللفظ على زعمهم، وأخرجوا منه ما هو نظير ما أدخلوه من حيث دلالة اللفظ عليه أو عدمها. الثاني: أننا إذا سلمنا اختصاص الرقة والدينار بالمضروب من الفضة والذهب فإن الحديث يدل على ذكر بعض أفراد وأنواع العام بحكم لا يخالف حكم العام، وهذا لا يدل على التخصيص، كما إذا قلت: أكرم العلماء ثم قلت: أكرم زيداً، وكان من جملة العلماء، فإنه لا يدل على اختصاصه بالإكرام، فالنصوص جاء بعضها عامًّا في وجوب زكاة الذهب والفضة، وبعضها جاء بلفظ الرقة والدينار، وهو بعض أفراد العام فلا يدل ذلك على التخصيص. فإن قيل: ما الفرق بين الحلي المباح وبين الثياب المباحة إذا قلنا بوجوب الزكاة في الأول دون الثاني؟ فالجواب: أن الشارع فرق بينهما، حيث أوجبها في الذهب والفضة من غير استثناء، بل وردت نصوص خاصة في وجوبها في الحلي المباح المستعمل كما سبق، وأما الثياب فهي بمنزلة الفرس وعبد الخدمة، اللذين قال فيهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة" فإذا كانت الثياب للبس فلا زكاة فيها، وإن كانت للتجارة ففيها زكاة التجارة. فإن قيل: هل يصح قياس الحلي المباح المعد للاستعمال، على الثياب المباحة المعدة للاستعمال كما قاله من لا يوجبون الزكاة في الحلي؟ فالجواب: لا يصح القياس لوجوه: الأول: أنه قياس في مقابلة النص، وكل قياس في مقابلة النص فهو قياس فاسد، وذلك لأنه يقتضي إبطال العمل بالنص، ولأن النص إذا فرق بين شيئين في الحكم فهو دليل على أن بينهما من الفوارق ما يمنع إلحاق أحدهما بالآخر، ويوجب افتراقهما، سواء علمنا تلك الفوارق أم جهلناها، ومن ظن افتراق ما جمع الشارع بينهما، أو اجتماع ما فرق الشارع بينهما فظنه خطأ بلا شك، فإن الشرع نزل من لدن حكيم خبير. الثاني: أن الثياب لم تجب الزكاة فيها أصلاً، فلم تكن الزكاة فيها واجبة، أو ساقطة بحسب القصد، وإنما الحكم فيها واحد وهو عدم وجوب الزكاة، فكان مقتضى القياس أن يكون حكم الحلي واحداً، وهو وجوب الزكاة، سواء أعده للبس أو لغيره، كما أن الثياب حكمها واحد لا زكاة فيها، سواء أعدها للبس أو لغيره، ولا يرد على ذلك وجوب الزكاة فيها إذا كانت عروضاً؛ لأن الزكاة حينئذ في قيمتها. الثالث: أن يقال: ما هو القياس الذي يراد أن يجمع به بين الحلي المعد للاستعمال والثياب المعدة له، أهو قياس التسوية، أم قياس العكس؟ فإن قيل: هو قياس التسوية. قيل: هذا إنما يصح لو كانت الثياب تجب فيها الزكاة قبل إعدادها للبس والاستعمال ثم سقطت الزكاة بعد إعدادها، ليتساوى الفرع والأصل في الحكم. وإن قيل: هو قياس العكس، قيل: هذا إنما يصح لو كانت الثياب لا تجب فيها الزكاة إذا لم تعد للبس، وتجب فيها إذا أعدت للبس، فإن هذا هو عكس الحكم في الحلي عند المفرقين بين الحلي المعد للبس وغيره. الرابع: أن الثياب والحلي افترقت عند مسقطي الزكاة في الحلي في كثير من المسائل، فمن الفروق بينهما: 1 ـ إذا أعد الحلي للنفقة وأعد الثياب للنفقة، بمعنى أنه إذا احتاج للنفقة باع منهما واشترى نفقة، قالوا في هذه الحال: تجب الزكاة في الحلي، ولا تجب في الثياب، ومن الغريب أن يقال: امرأة غنية يأتيها المال من كل مكان، وكلما ذكر لها حلي معتاد اللبس اشترته برفيع الأثمان للتحلى به غير فرار من الزكاة، ولما افتقرت هذه المرأة نفسها أبقت حليها للنفقة وضرورة العيش فقلنا لها في الحال الأولى: لا زكاة عليك في هذا الحلي، وقلنا لها في الحال الأخيرة: عليك الزكاة فيه، هذا هو مقتضى قول مسقطي الزكاة في الحلي المباح. 2 ـ أن الحنابلة قالوا: إنه إذا أعد الحلي للكراء وجبت الزكاة، وإذا أعدت الثياب للكراء لم تجب. 3 ـ أنه إذا كان الحلي محرماً وجبت الزكاة فيه، وإذا كانت الثياب محرمة لم تجب الزكاة فيها. 4 ـ لو كان عنده حلي للقينة ثم نواه للتجارة صار للتجارة، ولو كان عنده ثياب للقينة ثم نواها للتجارة لم تصر للتجارة وعللوا ذلك بأن الأصل في الحلي الزكاة، فقويت النية بذلك بخلاف الثياب، وهذا اعتراف منهم بأن الأصل في الحلي وجوب الزكاة فنقول لهم: وما الذي هدم هذا الأصل بدون دليل. 5 ـ قالوا: لو نوى الفرار من الزكاة باتخاذ الحلي لم تسقط الزكاة، وظاهر كلام أكثر أصحاب الإمام أحمد أنه لو أكثر من شراء العقار فراراً من الزكاة سقطت الزكاة، وقياس ذلك لو أكثر من شراء الثياب فراراً من الزكاة سقطت الزكاة، إذ لا فرق بين الثياب والعقار. فإذا كان الحلي المباح مفارقاً للثياب المعدة للبس في هذه الأحكام، فكيف نوجب أو نجوز إلحاقه بها في حكم دل النص على افتراقهما فيه؟ إذا تبين ذلك فإن الزكاة لا تجب في الحلي حتى يبلغ نصاباً لحديث أم سلمة السابق: "ما بلغ أن تؤدي زكاته فزكي فليس بكنز"، فنصاب الذهب عشرون ديناراً، ونصاب الفضة مائتا درهم. فإذا كان حلي الذهب ينقص وزن ذهبه عن عشرين ديناراً وليس عند صاحبه من الذهب ما يكمل به النصاب فلا زكاة فيه. وإذا كان حلي الفضة ينقص وزن فضته عن مائتي درهم وليس عند صاحبه من الفضة ما يكمل به النصاب فلا زكاة فيه. والمعتبر وزن ما في الحلي من الذهب أو الفضة، وأما ما يكون فيه من اللؤلؤ ونحوه فإنه لا يحتسب به في تكميل النصاب، ولا يزكى أعني اللؤلؤ ونحوه من الجواهر الموجودة في الحلي؛ لأنها ليست من الذهب والفضة، والحلي من غير الذهب والفضة لا زكاة فيه، إلا أن يكون للتجارة. لكن هل المعتبر في نصاب الذهب الدينار الإسلامي الذي زنته مثقال، وفي نصاب الفضة الدرهم الإسلامي الذي زنته سبعة أعشار مثقال، أو المعتبر الدينار والدرهم عرفاً في كل زمان ومكان بحسبه، سواء قل ما فيه من الذهب والفضة أم كثر؟ الجمهور على الأول، وحكي إجماعاً، وحقق شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ الثاني، أي: أن المعتبر الدينار والدرهم المصطلح عليه في كل زمان ومكان بحسبه، فما سمي ديناراً أو درهماً ثبتت له الأحكام المعلقة على اسم الدينار والدرهم، سواء قل ما فيه من الذهب والفضة أم كثر، وهذا هو الراجح عندي لموافقته ظاهر النصوص، وعلى هذا فيكون نصاب الذهب عشرين جنيهاً، ونصاب الفضة مائتي ريال، وإن احتاط المرء وعمل بقول الجمهور فقد فعل ما يثاب عليه إن شاءالله. فإذا بلغ الحلي نصاباً خالصاً عشرين ديناراً إن كان ذهباً، ومائتي درهم. إن كان فضة ففيه ربع العشر؛ لحديث علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا كانت لك مائتا درهم وحال عليها الحول ففيها خمسة دراهم وليس عليك شيء" يعني في الذهب "حتى يكون لك عشرون ديناراً فإذا كانت لك عشرون ديناراً وحال عليها الحول ففيها نصف دينار" رواه أبو داود. وبعد: فإن على العبد أن يتقي الله ما استطاع ويعمل جهده في تحري معرفة الحق من الكتاب والسنة، فإذا ظهر له الحق منهما وجب عليه العمل به، وأن لا يقدم عليهما قول أحد من الناس كائناً من كان، ولا قياساً من الأقيسة أي قياس كان، وعند التنازع يجب الرجوع إلى الكتاب والسنة فإنهما الصراط المستقيم، والميزان العدل القويم، قال الله تعالى: وقال تعالى: { فأقسم الله تعالى بربوبيته لرسوله صلى الله عليه وسلم التي هي أخص ربوبية قسماً مؤكداً على أن لا إيمان إلا بأن نحكم النبي صلى الله عليه وسلم في كل نزاع بيننا، وأن لا يكون في نفوسنا حرج وضيق مما قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن نسلم لذلك تسليماً تامًّا بالانقياد الكامل والتنفيذ. وتأمل كيف أكد التسليم بالمصدر فإنه يدل على أنه لابد من تسليم تام لا انحراف فيه ولا توان. وتأمل أيضاً المناسبة بين المقسم به والمقسم عليه، فالمقسم به ربوبية الله لنبيه صلى الله عليه وسلم، والمقسم عليه هو عدم الإيمان إلا بتحكيم النبي صلى الله عليه وسلم تحكيماً تامًّا يستلزم الانشراح والانقياد والقبول، فإن ربوبية الله لرسوله تقتضي أن يكون ما حكم به مطابقاً لما أذن به ربه ورضيه، فإن مقتضى الربوبية الخاصة بالرسالة أن لا يقره على خطأ لا يرضاه له. وإذا لم يظهر له الحق من الكتاب والسنة وجب عليه أن يأخذ بقول من يغلب على ظنه أنه أقرب إلى الحق بما معه من العلم والدين، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ" وأحق الناس بهذا الوصف الخلفاء الأربعة: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي رضوان الله عليهم أجمعين، فإنهم خلفوا النبي صلى الله عليه وسلم في أمته في العلم والعمل والسياسة والمنهج، جزاهم الله عن الإسلام والمسلمين أفضل الجزاء. ونسأل الله تعالى أن يهدينا صراطه المستقيم، وأن يجعلنا ممن رأى الحق حقًّا فاتبعه، ورأى الباطل باطلاً فاجتنبه، والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. حرره كاتبه الفقير إلى الله محمد الصالح العثيمين وذلك في 21 صفر سنة 2831هـ ـ والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. 89 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ: هل العملة التي يتداولها الناس اليوم (الأوراق المالية) تقوم مقام الذهب والفضة فتجب فيها الزكاة أم لا؟ وهل هي تدخل في الربويات أم لا؟ فأجاب فضيلته بقوله: أما من جهة الزكاة فإنها تقوم مقامها فتجب فيها الزكاة؛ لأن الناس الآن استبدلوا النقود من الذهب والفضة بهذه الأوراق. يعني جعلوا هذه الأوراق بديلاً عنها. وأما في الربا فإنها تلحق بالدراهم في ربا النسيئة فقط دون ربا الفضل مع اختلاف الجنس، فمثلاً إذا أراد أحد أن يأخذ ما يسمونه بالهلل تسعة بورقة من فئة العشرة ريالات فلا بأس، ولكن بشرط التقابض قبل التفرق، وكذلك لو أراد أن يأخذ دولاراً قيمته أربعة ريالات بأقل أو أكثر فلا بأس بشرط التقابض في مجلس العقد. * * * 99 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ: عندي بيت معد للإيجار وقد بعته بنقود لأشتري بقيمته بيتاً آخر للسكن هل يجب في ذلك المبلغ زكاة أم لا؟ فأجاب فضيلته بقوله: هذه القيمة إذا تم عليها الحول وجب فيها الزكاة، وإن اشترى البيت قبل تمام حول هذه الدراهم فلا زكاة عليه فيها. * * * 001 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ: كان عندنا منزل فبعناه ونحن لا نملك غيره، واشترينا أرضاً ببعض المبلغ، والباقي أبقيناه لبناء هذا المسكن لي ولأخي، وقد حال عليه الحول، فهل في هذا النقد زكاة أم لا؟ فأجاب فضيلته بقوله: نعم فيها زكاة؛ لأن الدراهم فيها الزكاة مهما كان، حتى لو كان الإنسان أعدها للزواج، أو كان الإنسان أعدها ليشتري بها بيتاً، أو يشتري بها نفقة، فما دامت دراهم وحال عليها الحول وهي تبلغ النصاب ففيها الزكاة. وبهذه المناسبة ـ بذكر الزواج ـ أقول: إن من أهم ما تصرف فيه الزكاة إذا كان الإنسان محتاجاً للزواج وليس عنده ما يتزوج به، لكنه محتاج للزواج ليس عنده زوجة، فيجوز أن يعطى من الزكاة ما يتزوج به، حتى ولو أعطي جميع المهر فلا بأس به؛ لأن النكاح من أعظم حاجات المرء، بل هو من الضروريات، وعلى هذا نقول: إذا وجدنا هؤلاء الشباب الذين يحبون أن يتزوجوا، ولكن ليس بأيديهم أموال يتزوجون بها، فإنه يجوز أن يعطوا من الزكاة ما يتزوجون به، ويجوز أيضاً لهؤلاء الشباب أن يأخذوا ما يتزوجون به؛ لأن الله أحلها لهم بقول: * * * 101 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ: هل في مال التقاعد الذي عند الدولة زكاة؟ فأجاب فضيلته بقوله: التقاعد الذي يؤخذ من الراتب ليس فيه زكاة، وذلك لأن صاحبه لا يتمكن من سحبه إلا بشروط معينة، فهو كالدين الذي على المعسر، والدين الذي على المعسر لا زكاة فيه، لكن إذا قبضه فالأحوط أن يزكيه مرة واحدة لسنة واحدة. والله أعلم. * * * 201 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ: عن الراتب التقاعدي؟ وهل تجب فيه الزكاة؟ فأجاب فضيلته بقوله: رأينا في الراتب التقاعدي أنه لا زكاة فيه، لكن الأحوط أن يزكيه إذا قبضه لسنة واحدة، وأما أخذه فلا بأس لأنه جزء ادخرته الدولة من راتب الموظف عند الحاجة إليه. * * * 301 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ: عن كيفية إخراج الزكاة عن المرتبات الشهرية، وعن الجمعيات التي يجتمع عليها الناس لمساعدة الفقير والمحتاج هل عليها زكاة أم لا؟ فأجاب فضيلته بقوله: الزكاة عن الرواتب الشهرية أحسن شيء، وأسهل شيء، وأسلم شيء أن تعد شهراً معيناً لإحصاء مالك وتخرج زكاته جميعاً. مثال ذلك: إنسان اعتاد أنه كلما دخل شهر رمضان أحصى الذي عنده وأخرج الزكاة حتى راتب شعبان الذي قبل رمضان يخرج زكاته، هذا طيب ويستريح الإنسان في الحقيقة، ما وجدنا أريح من هذا أبداً. فإذا قال قائل: شعبان الذي قبضت لم يمض عليه إلا أيام؟ فنقول: تكون زكاته معجلة، ويجوز أن الإنسان يعجل الزكاة لمدة سنة أو سنتين، وحينئذ نقول: أحسن شيء أن يجعل الإنسان شهراً معيناً يحصي ماله كله، ويخرج زكاته الذي تم حوله والذي لم يتم. أما الجمعيات وهي التي تجعل في صندوق يعان بها من تضرر فلا زكاة فيها. * * * 401 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ: سائلة تقول: إن لي مبلغاً من المال مودع في أحد البنوك ومصدره من زوجي كمهر للزواج، فهل علّي حرج فيما لو أخرجت منه زكاة، أو تصدقت منه في سبيل الله، أو لأحد أقاربي من والدة ونحوها، علماً بأن زوجي يمنعني من ذلك؟ وإذا أصر على منعي هل أعطيه هذا المال؟ فأجاب فضيلته بقوله: إذا كان للمرأة مال فعليها أن تزكيه كل عام إذا بلغ نصاباً، وليس من حق زوجها أن يمنعها من ذلك، بل وليس له حق في أن يمنعها من التطوع بما شاءت من ذلك، بأن تعطي أمها، أو أباها، أو أخاها، أو أختها، أو قريبها، أو صديقتها، لأن لها حق التصرف في مالها، لكن إذا رأى منها سوءاً في التصرف فإنه يشير عليها بأن تمتنع عن ذلك، وينصحها وهذا كافٍ. والله الموفق. * * * 501 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ: هل تجب الزكاة على الرصيد المدخر من الراتب الشهري؟ وقد حال عليه الحول بالرغم من أنه غير مستثمر مع العلم بأنني أدخره لتغطية نفقات معيشتي وأسرتي، فهل تجب الزكاة في هذه الحالة؟ فأجاب فضيلته بقوله: نعم تجب الزكاة عليه إذا تم عليه الحول، لأن ما وجبت الزكاة في عينه لا يشترط له نية التجارة، ولهذا تجب الزكاة في الثمار والحبوب، وإن لم يعدها الإنسان للتجارة، حتى لو كان عند الإنسان مثلاً في بيته نخلات يبلغ محصولها نصاباً وقد أعدها لنفقته الخاصة، فإنه تجب عليه الزكاة في ثمرة هذا النخل، وكذلك نقول في الزروع وغيرها مما تجب فيه الزكاة، وكذلك في المواشي السائمة التي ترعى في البراري، تجب فيها الزكاة وإن لم يعدها الإنسان للتجارة، وهكذا أيضاً الدراهم التي يجب فيها الزكاة، وإن لم يعدها الإنسان للتجارة، فالراتب الذي أعده للنفقة تجب فيه الزكاة، إذا تم عليه الحول إذا بلغ النصاب. ولكن هاهنا مسألة تشكل على كثير من الناس، وهي أن الدراهم التي تأتي من الراتب الشهري، أو من استغلال بيت أو دكان تستغل أجرته كل شهر، أو ما أشبه ذلك يضعها الإنسان عنده في صندوقه أو في جهات أخرى، وتجده يأخذ ويضع، أي يأخذ منها ويضع فيها فيشكل عليه ما تم عليه الحول، وما لم يتم. فنقول: في هذه الحال إذا كان طوال السنة ما ينقص الرصيد عن نصاب، فإن الأولى أن يعتبر الحول من أول نصاب ادخره، ثم يخرج الزكاة منه عند تمام الحول، فيكون ما تم حوله قد أديت زكاته في حوله، وما لم يتم قد عجلت زكاته وتعجيل الزكاة لا بأس به. وهذا المسلك أسهل له من كونه يعتبر كل شهر على حدة، لأن هذا قد يصعب عليه. * * * 601 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ: كيف يتم إخراج زكاة الرواتب الشهرية؟ فأجاب فضيلته بقوله: إخراج الزكاة في الرواتب الشهرية إن كان الإنسان كلما أتاه الراتب أنفقه بحيث ما يبقى إلى الشهر الثاني، فهذا ليس عليه زكاة، لأن من شروط وجوب الزكاة تمام الحول، وإن كان يدخر مثلاً: ينفق نصف الراتب ونصف الراتب يدخره، فعليه زكاة كلما يتم الحول يؤدي زكاة ما عنده، لكن هذا فيه مشقة أن الإنسان يحصي كل شهر بشهر، ودرءاً لهذه المشقة يجعل الزكاة في شهر واحد لجميع ما عنده من المال، مثلاً إذا كان يتم الحول في شهر محرم، إذا جاء شهر محرم الذي يتم به حول أول راتب يحصي كل الذي عنده ويخرج زكاته، وتكون الزكاة واقعة موقعها عند تمام الحول، وتكون لما بعده معجلة والتعجيل جائز. * * * 701 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ: كم نصاب الفضة؟ فأجاب فضيلته بقوله: النصاب بالنسبة للفضة ستة وخمسون ريالاً فضة، أو ما يعادلها من الورق، واسأل عن هذا الصيارفة، يقال مثلاً كم قيمة ستة وخمسين ريالاً فضة من الورق، فإذا قالوا قيمتها مثلاً خمسمائة، كان النصاب خمسمائة، وإذا قالوا أقل أو أكثر فعلى حسبه. * * * 801 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ: عن كيفية الزكاة على من له راتب يدخر منه شهريًّا ما يزيد على حاجته؟ فأجاب فضيلته بقوله: إن أحسن طريق وأسهله وأقربه إلى براءة الذمة أن تجعل لك شهراً معيناً ـ وليكن الشهر الذي يتم فيه الحول على أول راتب ادخرته ـ تحصي فيه جميع ما عندك من الدراهم وتخرج زكاته، فتكون الزكاة بالنسبة لأول شهر في وقت الوجوب وبالنسبة لما بعده معجلة أي مقدمة قبل تمام الحول. وتقديم الزكاة على تمام الحول جائز، كما نص على ذلك أهل العلم رحمهم الله تعالى. * * * 901 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ: شخص يزكي راتبه وهو أن يجعل له حولاً معيناً مثل رمضان فإذا جاء رمضان وعنده شيء سواء كان قليلاً أو كثيراً زكى في رمضان فما حكم ذلك؟ فأجاب فضيلته بقوله: هذا طيب لا بأس أن يتخذ الإنسان شهراً معيناً لزكاته، فإذا جاء الشهر أحصى ما عنده من المال وأخرج زكاته، حتى الذي لم يتم حوله يزكيه، وذلك لأن تعجيل الزكاة لا يضر، وهذا التعجيل الذي ذكره السائل والذي أقرره الآن فيه مصلحة للفقراء إذ إن الزكاة تعجل إليهم. * * *
|